النصائح الكافية .. لمن يبرئ يزيد بن معاوية

لقد سائني في الفترة الاخيرة استغلال غير واحد من الاخوة المدوّنين مناسبة عاشوراء للهجوم الصريح والمباشر على معتقدات الغير والتشنيع عليهم ..حاملين على عاتقهم هم هداية الناس الى الدين السوي ، تائقين الى تحويل المدونات الى ساحة مناظراتية لممارسة فنون الاقتتال الطائفي .. ولا اتعجب امانة من موقف هؤلاء كوني اعرف توجههم في الكتابة الذي دائما ما يكون منصبا في هذا المجال ، لكن ما صدمني للامانة هو موضوع لاحد الاخوة المدونين الذي لطالما اعجبت بحياديته ورجاحة فكره وسموه عن طرح مواضيع الاختلاف ، موضوعه كان أقل ما يقال عنه ب " بكلمة حق يراد بها باطل " .. حيث كان ظاهر الموضوع رثاء للحسين عليه السلام لكنه حوى ما حوى من الرسائل و" والنغزات" الشيء الكثير .. متخذا اسلوب " الكلام الك يا جارة " ايييه

لست هنا بصدد الرد على تدوينات معيّنة .. او تبرير ما يفعله الشيعة او اقناع أشخاص بمعتقد معيّن او بفكرة معينة ..و لست هنا لكي اتقمّص دور الواعظ او الداعية كما يفعل غيري ..لكنني أود ان اتطرّق الى قضية تاريخية مهمة لا لان الاخ المدون تطرق لها ..بل لاني وجدت كثيرين غيره قد ذهبوا الى ما ذهب اليه وهو تبرئة يزيد بن معاوية من دم الحسين عليه السلام ، فمع الاسف الشديد نحن العرب بشكل خاص والمسلمين بشكل عام لدينا عقدة تقديس الحاكم .. ربمّا اتقهّم سبب القداسة اثناء حياته .. لكن الغريب ان "بعبع" الحاكم يلاحقنا حتى بعد مماته .. وما صدّام عنا ببعيد .. فالى اليوم لصدّام انصار ومريدين يملؤون اصقاع الارض

سأتحدت هنا بتجرّد تام عن العواطف والرواسب العقائدية .. سأتحدت بعقلية التاريخ .. نعم أتمنى ان يعي القارئ ان هذا حديثي حديث تأريخ وسياسة .. لا حديث مذاهب وعقائد وايمان ومناظرات .. نعم لست أزعم اني متخصص في التاريخ .. ولا فارس في ميدانه .. لكن هذه القضية بالتحديد قد قلبتها ذات اليمين وذات الشمال وقد نظرت اليها في أناة حتى وصلت الى ما وصلت اليه..

نعم ليس ابلغ من التأريخ حجة .. ومن الوقائع سندا ومن الاحداث أدلة

لن اسهب كثيرا عن يزيد ولن أتحدث عن اشتغال يزيد بالملاهي والاغاني وملاعبة القردة وشرب الخمور واتخاذه القيان والغلمان ..فهذا مما استفاضت به كتب التأريخ حين تأتي الى ترجمة يزيد .. وهذا ابن كثير يحدّت فيقول : اشتهر يزيد
بالمعازف وشرب الخمور والغناء والصيد واتخاذ القيان والكلاب والنطاح بين الاكباش والدباب والقرود وما من يوم الا ويصبح فيه مخمورا : وكان يشد القرد على فرس مسرجة بحبال ويسوق به ويلبس القرد قلانس الذهب وكذلك الغلمان وكان يسابق بين الخيل وكان إذا مات القرد حزن عليه
هذه لمحة عامة عن شخصية يزيد .. ولا اريد الاسهاب اكثر رغم ان كتب التاريخ تروي اكثر مما ذكرت

نأتي الى قضية دم الحسين..


نقل الطبري في تاريخه أحداث سنة 60 هـ ج 4 ص 250 رسالة يزيد بن معاوية إلى الوليد بن عتبة أمير المدينة " أما بعد فخذ حسينا وعبد الله بن عمر وابن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام وروى ذلك ابن كثير في تاريخه ج8ص157

واضح هنا حرص يزيد بأخذ البيعه من هؤلاء الثلاثة ولو بالقوة

قال الذهبي في تاريخ الإسلام الجزء الخاص لأحداث السنوات ( 61 - 80 ) ص 30 : " قلت ولما فعل يزيد بأهل المدينة ما فعل وقتل الحسين وأخوته وآله وشرب يزيد الخمر وارتكب أشياء منكرة بغضه الناس وخرج عليه غير واحد ولم يبارك الله في عمره "

وقال السيوطي في ( تاريخ الخلفاء ) ص207: "

فقتل وجيء برأسه في طست حتى وضع بين يدي ابن زياد لعن الله قاتله وابن زياد معه ويزيد أيضا".



قال ابن كثير في تاريخه ج8 ص243 : " وقد أخطأ يزيد خطأ فاحشا في قوله لمسلم بن عقبة أن يبيح المدينة ثلاثة أيام وهذا خطأ كبير فاحش مع ما أنضم إلى ذلك من قتل خلق من الصحابة وأبنائهم وقد تقدم أنه قتل الحسين وأصحابه على يدي عبيدالله بن زياد وقد وقع في هذه الثلاثة أيام من المفاسد العظيمة في المدينة النبوية ما يحد ولا يوصف.

في الروايات السابقة يصرح المؤرخون بوضوح دور يزيد في قتل الحسين .. ويتضح لنا ان عبيد الله بن زياد ما كان الا اداة في حكم يزيد وعبدا من عبيده ولا يتخذ امرا الا بأمر من يزيد .. فهل نأخذ بكلام مدوّنات ام بكلام المؤرخين ؟

ثم ان هناك العديد من المواقف المشهودة التي تدل على رضا يزيد وعلمه وفرحه بمقتل الحسين ..

قوله أي يزيد لزينب بنت علي ( ع ) كما في الطبري ج4 ص 353 مؤكدا لنظرته في استحقاق الإمام الحسين ( ع ) للقتل لأنه خارجي خرج من الدين: "إنما خرج من الدين أبوك وأخوك فقالت زينب بدين الله ودين أبى ودين أخي وجدي اهتديت أنت وأبوك وجدك " .

أوليس هذا الحديث بدليل على ان مقتله كان بمباركة منه؟؟؟

ومن المواقف المشهودة استشهاده بالابيات الشهيرة بعد مقتل الحسين حين قال


ليت اشياخي ببدر شهدو ا جزع الخزرج من وقع الاسل لاهلوا واستهلوا فرحا ثم قالوا يايزيد لاتشل

قد قتلنا القرم من ساداتهم وعدلناه ببدر فاعتدل لست من خندف ان لم انتقم من بني احمد ما كان فعل

لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل


من هذه الابيات يتضح شيئان مهمان :

الاول ان يزيد منتشي بقتله الحسين .. متمنيا لو ان اجداده الذين شهدوا هزيمة بدر لو كانو حاضرين مقتل الحسين .. لفرحوا وانتشوا وهذا يؤكد أن الأحداث التي جرت في زمن الرسول -ص- من مواجهة وقتل كبار رجالات بني امية في الغزوات كبدر .قد تكون سبب لاانتقام يزيد بن معاوية الذي ينتمي الى بني أمية، من تلك الأحداث بقتل الحسين بن علي الهاشمي في كربلاء

وفي البيت الاخير .. بيان صريح منه بعدم ايمانه بنزول الوحي الالهي

واخيرا ليس اخرا .. من المعروف ان القوم الظالمين قطعوا رأس الحسين وأرسلوه الى يزيد .. وهي سنّة معروفة في العصر الاموي لمن اطلع على التاريخ .. والاسوأ من هذا يحدثنا المؤرخون انه حينما وضع الرأس عند يزيد .. بدأ ينكت ثنايا الحسين بقضيب له

وأنشد
صبرنا وكان الصبر منا سجية **** بأسيافنا تفرين هاماً

ومعصماً نفلق هاماً من رؤوس أحبة ***** إلينا وهم كانوا أعق وأظلما

فما معنى ان ينكت ثنايا الحسين بقضيبه وخدشه لكرامة الحسين ؟؟ وما معنى انشاده هذه الابيات غير التبتخر والافتخار بفعلته الشنيعة ؟؟

في النهاية .. يروى التاريخ ان حكم يزيد استمر 4 سنين ..افتتح سنته الاولى بمقتل الحسين .. وفي السنة الثانية اباحته المدينة في واقعة الحرة الشهيرة ..فيها ابيحت نساء ودماء وأموال المدينة لثلاثة أيام حتى قيل انه حملت الف امرأة في تلك الايام من سفاح .. وفي سنته الثالثه اختتمها بحصار مكة ورميه الكعبة بالمنجنيق .. حتى حطموها ولم يبقى منها شي ..
أرجوك بعد هذا كله .. كيف لك ان تنفي عنه مقتل الحسين ؟؟؟ أتمنى من القارئ العزيز الا يكون قد انزعج من هذا الحديث .. فانزعاجك من الحق خير من انبهارك بالباطل فالنفس تأنس لاستماع ما تحبه .. وكما ذكرت .. حديثي حديث تأريخ .. فلست هنا لاصدر حكما على شخص جزافا او اتهم أحد بغير علم .